لم يبق لنا الا الوداع بقلم منى احمد حافظ
شخص من مقابلة ولا تصرف عموما لما تتعاملي معايا هتعرفيني بشكل أوضح أما بالنسبة لوالدك فأنا
مستعد أكلمه وأوضح له سبب مقابلتنا علشان أرفع عنك الحرج
حمحمت منار بحرج فهي للحظة لا تعلم كيف تفوهت بتلك الكلمات فاعتذرت قائلة
_أنا بعتذر لحضرتك واضح إن حالتي المزاجية مأثرة عليا ومخلياني أقول كلام بايخ ياريت حضرتك متزعلش مني
_ولا يهمك المهم إني كنت حابب تصميمي لنا نموذج جديد لملامحق سكنية تكون بسيطة وتكلفة الإنشاء فالمعقول
أومأت وعلى ثغرها ابتسامة وأردفت
_ إن شاء الله بس حضرتك هتحتاجه على أمته علشان أشوف وقتي والدراسة وكده
_ أنا أسف لسؤالي بس واضح إنك مرتبطة بوالدك بدرجة كبيرة على كده عندك أخوات غير أمجد
احمر وجهها وأجابته بارتباك
_ لا أمجد مش أخويا دي خطيبي ومكتوب كتابنا وهنتجوز بعد ما أخلص الكلية إنما أخويا فاسمه أحمد وعندي أربع أخوات بنات
تلاشت ابتسامته وحاول أن يخفي خيبة أمله فهو لم يتوقع أن تكون مرتبطة فعقب بقوله
رفعت منار يدها أمام وجهها وحدقت بإصبعها الملتهب وأردفت
_ الله يبارك فحضرتك ولو على الدبلة فهي للأسف عملت لي حساسية واضطريت أقلعها علشان العلاج
أومأ سامر وأشاح بوجهه عنها ليخفي حزنه فهو سمح لنفسه أن يحلم بها والآن بات حلمه محرما فهي لآخر وعليه احترامه زفر ليتمالك أمره والټفت إليها وأردف
هزت منار رأسها بالنفي وأجابته بعبوس
_ لا أمجد متخرج من هندسة القاهرة من زمان وبيشتغل في مؤسسة علم الدين
عقد سامر حاجبيه وهو يفكر بصاحب الاسم وهز رأسه بالنفي فأمجد الذي يعرفه متزوج من ليان علام ولا يمكن أن يكون هو الشخص نفسه الذي تتحدث عنه فكاد يسألها ولكنه تراجع كي لا يساء فهمه اختلست منار النظر نحوه وأحست ردة فعله أنه يخفي أمرا ما عنها فجأة ارتجفت وأحست بنغزة باردة تصفع قلبها ولم تدر لما أدارت وجهها وحدقت بعينه ورسمت على شفتيها ابتسامة بلهاء وهي تخبره
ممكن من أول يوم ليا فالكلية أقول إني مرات أمجد المشير علشان أسهل أموري زي باقي زمايلي ما عملوا لكن أنا محبتش أعمل كده وقلت إني لازم أثبت لنفسي وللكل أني مش محتاجة واسطة بس الحاجة الغريبة إن من أول سنة وأنا بقابل اضطهاد غريب زي ما يكون كان في حد بيحاول أنه يوقف خطواتي ومش عايزني أثبت وجودي فالكلية وللأسف اتعرضت لظلم كتير وفكل مرة كنت بحبط فيها كنت بفكر استغل صلتي بأمجد لكن كنت برجع تاني وأقول أكيد ربنا مش هيضيع تعبي وفعلا ربنا عوضني لما قلت أني مش هتكلم عن صلتي بأمجد لكن هدافع عن حقي فجيت وقابلت حضرتك والحمد لله ربنا كافئني والحقيقة ظهرت والتصميم اللي شاركت بيه فالمسابقة فاز
_ أنا آسفة يا بشمهندس بس الوقت عدى وأنا مش حابة أتأخر فأسمح لي أمشي
أومأ بتفهم وسار بجوارها بقلب منكسر إلى الخارج وأشار لسيارته لمرافقتها إلى منزلها ولكنها رفضت بإصرار وغادرته بوجوم وجلست داخل إحدى السيارات تفكر بأمر تعبيرات وجهه الغريبة وردة فعله حين أتت على ذكر أمجد وازداد وجومها وزفرت قائلة
_ أنا لازم أفهم في إيه بالظبط بيدور من حواليا وعرفاه
طلبت منار من السائق تغيير وجهته إلى أخرى بديلة وبداخلها تعاظم توترها فتلك زيارتها الأولى لمقر عمل أمجد الذي حذرها مرارا من الاقتراب منه تحت أي ظرف والآن هي لا تعلم كيف ستكون ردة فعله حين يراها أمامه ولكن مهما كانت استجابته عليها مواجهته
ووضع حد لشكوكها صف السائق سيارته أمام بوابة المؤسسة الخارجية فغادرتها منار باضطراب ووقفت للحظات يحثها عقلها على التراجع ولكنها التقطت أنفاسها بقوة وخطت إلى الداخل فأوقفها أحد رجال الأمن فابتسمت بحرج وأردفت
_ بعد أذنك كنت عايزة أقابل البشمهندس أمجد المشير
_ لو مافيش أي مواعيد سابقة يبقى حضرتك ممكن تدخلي للسكرتيرة بأول دور وهي هتقولك على التفاصيل
أومأت منار بابتسامة مماثلة لخاصته وتبعت ارشاداته حتى توقفت أمام مكتب السكرتيرة وقرأت اسمها المدون باللوحة فوق سطح مكتبها وطلبت منها رؤيته فبادلتها سميرة الابتسامة باحترام وأردفت
_ البشمهندس النهاردة عنده اجتماع وللأسف الجدول مزحوم جدا ومش هيقدر يقابل أي
حد بدون ميعاد سابق فلو ممكن تسيبي بياناتك وأول ما المهندس جدوله يسمح بالمقابلة هنتصل ونبلغك بالميعاد
بهتت ملامح منار وتساءلت عن أي اجتماع وجدول تتحدث وقد أخبرها أنه يعمل بمكتب يضم ضمن مئات المهندسين فنظرت إلى وجه سميرة وعقبت بحرج
_ أنا آسفة بس الظاهر إن حضرتك فهمتيني غلط أنا أقصد المهندس أمجد المشير هو بيشتغل هنا في المكتب الهندسي بس الظاهر اختطل
قاطعتها سميرة بعبوس طفيف قائلة
_ حضرتك المؤسسة مفيهاش إلا المهندس أمجد المشير مدير المؤسسة ونسيب دكتور علام
يتبع
رواية لم يبق لنا إلا الوداع الجزء الخامس بقلم منى أحمد حافظ
نزل القول على سمع منار وكأن سميرة أخبرتها نكتة هزلية فكادت ټنفجر ضاحكة ولكن أمام جدية ملامح سميرة ازدردت لعابها وسألتها بصوت متلعثم وهي تدعو الله أن يخيب ظنونها
_هو البشمهندس متجوز بنت الدكتور علام
أكدت سميرة قولها بهزة طفيفة من رأسها وهي تشيح بوجهها عنها وتلتقط سماعة الهاتف تقول
_ عم شعبان أعمل فنجان قهوة مظبوط للبشمهندس ووديه اوضة الاجتماعات قبل ما يبدأ اجتماعه
ثم التقطت سماعة هاتف آخر بجوارها وضغطت بضع أزرار وأردفت
_ أيوة يا بشمهندس الفريق على وصول وأنا بلغتهم إن حضرتك مش هتناقش معاهم أي بنود سبق وراجعتها معاهم زي ما أمرت وطلبت لك القهوة
استمعت منار لصوت سميرة وكأنه يأتي من بعيد وغادرت المكتب بخطى ثقيلة تشعر وكأن أحدهم أنهال على رأسها وضربها بقوة فهي لم تعد تعرف من هي ولا ماذا تفعل هنا وأثناء سيرها الشارد كادت تصطدم بساعي المكتب فاعتذرت منه بتيه واستكملت خطواتها ولكنها وقفت والتفتت نحوه فرأته يقف أمام إحدى الغرف ويلجها وكإنسان آلي حسمت منار قرارها وخطت باتجاه الغرفة نفسها وولجتها وتقدمت بضع خطوات لمنتصفها وتجمدت خطاها حين لمحت رأسه يختفي بين الكثير من الأوراق وسمعته يأمر الساعي بترك القهوة والانصراف بعد نحو الدقيقة رفع أمجد رأسه فوقع بصره عليها فشخص بها لا يصدق أنها خالفت أمره وجاءت فهب على قدميه مزدردا لعابه وطالع ملامحها اليابسة پصدمة وقبل أن ينبث أيا منهم بكلمة اقټحمت ليان الغرفة وهي تناديه بصوت مفعم بالسعادة ورأتها منار
_ مش هتصدق يا أمجد أنا لسه جاية من عند الدكتورة واول ما بشرتني بالخبر جيت لك جري علشان نفرح سوا حبيبي أخيرا حلمنا اتحقق وهيبقى عندنا بيبي
ودت منار لو تنشق الأرض وتبتلعها لترحم من مڈلة الانكسار فڼصب عينها زوجها وامرأة أخرى تقبله وتزف إليه نبأ حملها ابتسمت بحزن لتتفاجأ بتحول ابتسامتها إلى ضحكة تعالت شيئا فشيء حتى دمعت عينيها وبات الأمر ېهدد بحدوث کاړثة التفتت ليان إلى الخلف حين جذب صوت ضحكتها انتباهها فحدقت بملامحها الغريبة وفحصتها بعينها بريبة وابتعدت عن أمجد الذي ازداد جموده ورجيف قلبه لرؤيته منار على وشك الأنهيار أمامه لتنتشله من اضطرابه بسؤالها الحائر المملوء بالغيرة وهي تتفحصه بملامح مقطبة
_مين دي يا أمجد
وقع سؤال ليان على سمع منار كالصڤعة التي محت أثر ضحكتها من وجهها وتطلعت نحوه هي الآخرى بترقب تنتظر إجابته على أحر من الجمر وتمنت بداخلها لو كان يملك قدرا يسيرا من الشجاعة ما يخوله ليجيب سؤالها ولكن أكد ظنها بصمته فرمقته باحتقار وشمخت برأسها واقتربت منها ومدت يدها إليها وصافحتها قائلة
_ المهندسة منار شهدي كنت فمقابلة مع البشمهندس بس للأسف عرض الشغل اللي قدمه مش مناسب وكنت لسه هبلغه برفضي وقت ما دخلت وبعتذر على ضحكي أصل كان معايا مكالمة ومقدرتش أمنع نفسي من الضحك عموما بكرر اعتذاري ولو تسمحي لي أقولك مبارك على البيبي عن إذنك
غادرتهم بثبات وما أن أغلقت باب الغرفة خلفها حتى أطلقت لساقيها الريح وأخذت تعدو وكأنها تهرب من حيوان ضاري يريد الفتك بها ولم تدر كم مضى عليها وهي تهرول فالطريق ولكنها اڼهارت فجأة وتوقفت حين نضبت قدرتها على التنفس وتلاشت قوتها وكادت تسقط أرضا ولكنها تشبثت بالحاجز الفاصل بينها وبين النيل فمالت بجذعها تحدق بصفحة الماء بعيون غائمة وأنفاس متلاحقة تتساءل لما
بعد مرور بضعة ساعات خطت إلى داخل مسكنها يملائها الخواء ووقفت تحدق بعين والدها الذي هب عن مقعده يشعر أن قلبه يوشك على التوقف وفحصها بنظراته بحثا عن أي أثر لإعتداء او إصابة فهي غائبة عن المنزل منذ ساعات وهاتفها مغلق وكاد يسألها عن السبب إلا أنها أشاحت بعينيها بعيدا هربا منه لإحساسها بالخزي منه فيكف تواجهه وهي السبب وكامل المسؤولية يقع على كاهلها تجمدت لوهله حين اصطدمت عينيها بعينه فهزت رأسها يمينا ويسارا رفضا لوجوده ورمقته بنفور وابتعدت
واضعة بينهما مسافة فاصلة فازداد غضبه لإحتقارها إياه وثار كبريائه فرفع حاجبه بتحد ليخبرها بثقة مفرطة وعنجهية أنها لن تستطيع منعه عنها ولا التفوه بكلمة أمام والدها وزم شفتيه وخطى صوبها ولم يدرك أمجد خطأ اقترابه منها إلا حين رفعت منار يدها وصدته عنها وحين أصر على اقترابه صړخت بقلب ملتاع وهرولت تحتمي بين ذراعي والدها بجسد منتفض تتوسل إبعاده عنها تجمد أمجد وزاغت نظراته التي اكسبها صدمة مزيفة من فعلتها فرمقه شهدي بنظرات حادة وريبة وهو يشدد من احتضانه لها وسأله بصرامة
_ أنت عملت فبنتي إيه علشان توصل للحالة دي وترتعش بالمنظر دا
ازدرد أمجد لعابه ونفى فعله لشيء حينها رفعت منار وجهها ونظرت لوالدها بقلب منفطر وأردفت پانكسار
_ لا عملت وعملت اللي لا يمكن كنت