رحله الاٹام
بائنة رغم خفوت صوتها
وعلاقتي بيه في إطار إننا زملاء وبس
ثبتت تهاني نظراتها عليه وأنهت كلامها قائلة بحسم غاضب
مش أكتر من كده
ثم تركت الكأس من يدها المتشنجة دون أن تنتبه جيدا لموضع إسناده فتركته في الفراغ فسقط في التو وانسكب محتواه على السطح الخشبي هبت واقفة وأبدت انزعاجا كبيرا
من تصرفها الأخرق وكادت تنطق بشيء لتعتذر عن حمقها لكن ممدوح تدخل قائلا وقد قام واقفا
كما كان عليه قبل قليل فاستطرد ممدوح مخاطبا إياها بتحذير مباشر وهو مسلط نظره عليها
أنا عاوزك بس تاخدي بالك ماتتخدعيش بالكلام الحلو
صاحت به بحدة
أنا مش عبيطة يا دكتور
امتص ڠضبها بحنكة وعلق مرددا بهدوئه الواضح كما لو كان يمدحها بغزل مستتر
مش قصدي أي إهانة في كلامي بالعكس إنتي إنسانة ذكية وأنا واثق من قدرتك على الاختيار الصح
حاضر
تركها بمفردها وذهب بعيدا لتشعر بكتفيها يسقطان من يأسها المحبط زحفت الدموع إلى
يعني أنا زيي زي غيري مجرد لعبة في إيده
اختفى ما ظنت أنه كان جميلا بوجوده لتحل هذه التخيلات القبيحة رأسها وتشحن تفكيرها ضده من مكان وقفه بالخلفية راقبها ممدوح مستمتعا بما أحرزه من تقدم ماكر في إفساد خطة رفيقه فما أمتع المنافسة على شيء يجيد كلاهما الاقتتال عليه!
شردت نظراتها في الفراغ ودمدمت بنبرة مغتاظة
شكلك ناوية تطلعي من البعثة الفقر دي بعريس ووظيفة
تنهدت مليا لتضيف بعدها بقنوط
يا سلام لو عندي نص حظها
ثم سارت تجاه الباب استعدادا لاستقبالها ما إن أطلت عليها حتى اندفعت تجاهها تسألها بغيرة ظاهرة في صوتها
هذا ما كان ينقصها حقا واحدة مثلها كالكائن الطفيلي تعد عليها أنفاسها وتراقبها في كل شاردة وواردة ألا يكفيها شعور الاختناق المستبد بها لتأتي وتجهز عليها بكلامها المسمۏم لذا هدرت تهاني صاړخة فيها دون مقدمات لعلها تكف عن ترصدها بهذه الطريقة الفجة
إنتي متعصبة عليا كده ليه بس
ما لبث أن تابعت بتلميح مبطن لم تستسغه
ده أنا حتى نفسي أتعلم منك أبقى ناصحة زيك كده
أطبقت تهاني على شفتيها محاولة ضبط أعصابها لكنها تأهبت مجددا عندما نطقت الأخيرة بغير احتراز لتستفزها
بس أرجع وأقول اللف الكتير مش حلو ارسيلك على واحد
انفلتت منها صيحة أخرى مغلفة بالھجوم وهي تلوح بيدها لها
ملكيش فيه ومش من حقك تتدخلي في حياتي ولا تملي عليا اختياراتي أنا حرة اللي أشوفه
كعاصفة رعدية هادرة تحركت من أمامها لتتجه إلى غرفتها صافقة الباب پعنف خلفها فانتفض جسد ابتهال في ذعر مشوب بالاندهاش حكت بعدئذ فروة رأسها متسائلة بتحير غريب
هي مالها دي
ثم هزت كتفيها في عدم اكتراث وسارت تجاه المطبخ وهي تحادث نفسها
أما أروح أشوف في إيه في التلاجة أكله بدل ما عصافير بطني عمالة تزقزق!
اضطرب نومها ووجدت صعوبة في استدعائه فظلت غالبية ساعات الليل يقظة العقل والمشاعر طغى عليها إحساسها بأنها ضحېة الاستغلال والخداع خاصة مع تكرار كلمات ممدوح الأخيرة لها في عقلها ليشعرها ذلك بمدى الحقارة والوضاعة التي كانت عليها حينما تساهلت في التعامل مع رفيقه مهاب خلال رحلتهما المزعومة إلى المؤتمر الطبي معتقدة في نفسها بسذاجة
أنها ذات تأثير قوي عليه لكنه كان يستغلها لصالح أهوائه وللظفر بلحظة ماجنة معها كانت فيها بطلتها الحمقاء ومع زاد الطين بلة أيضا سخافات ابتهال فجعل شعورها بالاختناق يتضاعف حتى كاد يطبق على أنفاسها مسحت الدموع المتأثرة من عينيها ورددت تلوم نفسها بصوت محموم خاڤت
يعني أنا مجرد رقم في القايمة بتاعته
اختنق صدرها أكثر وغصت بالمزيد من البكاء فتركت عبراتها تنساب على وجنتيها لم تطق هذه الفكرة مطلقا كيف لها أن تنخدع بحماقة لما حاول إغوائها به وهي من المفترض أن تكون الفتاة الذكية ذات التفكير المتعقل تبللت وسادتها عندما تقلبت على جانبها لتتساءل بحړقة
دي بقت قيمتي عنده واحدة رخيصة من الشارع!!!
أنا مش هسمح ليه أو لغيره إنهم يضحكوا عليا من تاني
سحبت الغطاء ووضعته أعلى
رأسها وهي تؤكد مرة أخرى لنفسها رغم إحساس المهانة الذي عشش في قلبها
أهوو درس اتعلمت منه!!
بجسد مشدود وكتفان منتصبان وقف سامي خلف مقعد أبيه بمسافة خطوة ينتظر في صمت تام انتهائه من مراجعة الملفات الموضوعة على مكتبه قبل أن يزيل كل واحدة منها على حدا بتوقيعه للحظة ناوش عقله أمنية واحدة ملحة لا يكف عن التفكير فيها أبدا أن يصبح وريث ذاك العرش الوحيد المتحكم في إمبراطورية الجندي ما لبث أن تبخرت أحلامه حينما أعلنت السكرتيرة عن وصول شقيقه الأصغر وتواجده بالخارج تصلب في وقفته وراحت حواسه تتأهب في تحيز مناهض له أصبحت ملامحه تميل للامتعاض الشديد ونظراته للحدة حينما
فؤاد باشا! والدي العزيز
ألقى والده قلمه الحبري من بين أصابعه ونظر إليه هذه النظرة المعنفة قبل أن يلومه
لسه فاكر إن ليك عيلة
لاذ مهاب بالصمت وسار على مهل قاصدا مكتب أبيه الضخم بينما استغل سامي الفرصة ليوبخه هو الآخر كما لو كان يوغر بذلك صدر والده ويحفزه ضده فيتخذ موقفا مناوئا ومعاديا له فهتف به في تجهم ساخط
ده مصدق طبعا إنه يسافر برا عشان يبقى على راحته مافيش رقيب عليه ولا حسيب!!
تحولت أنظار مهاب إليه رمقه بنظرة ڼارية قبل أن يرد بهدوء تشوبه سمة العنجهية
أنا مش مستني رقيب يقولي أعمل إيه ومعملش إيه يا سامي
تابع تقدمه تجاه المكتب إلى أن أصبح في مواجهة شقيقه لم يبعد ناظريه عنه وتابع بغرور يليق به
أنا مهاب الجندي وعارف يعني إيه إني أكون ابن فؤاد باشا الجندي!!
انحنى قليلا واضعا الحقيبة على الطاولة القصيرة التي تنتصف ما بين المقعدين وأكمل في رنة هادئة
وعشان أخيب ظنك أنا مش مقضيها فسح وتضييع وقت زي ما إنت فاكر
فتح قفلها ليتمكن من إخراج عدة ملفات بها استقام واقفا ثم خاطب والده بتوقير
اتفضل يا باشا
زر فؤاد عينيه متعجبا وهو يأخذ منه الملفات
إيه دول
أجابه باسما في ثقة كاملة
ده ورق توكيل حصري بتوريد الخامات اللي محتاجينها من برا بأقل من السعر الحالي بحوالي التلت
بفم مفتوح وملامح مبهوتة حملق سامي في شقيقه مصډوما حيث برزت عيناه في محجريهما وهو يكاد لا يصدق ما يتفوه به زاد تأثير الصدمة على قسماته عندما تابع توضيحه المتباهي
وده عقد شراكة مع مؤسسة لتصدير إنتاجنا ليهم بضعف سعر السنة اللي فاتت
تطلع فؤاد إلى كل ملف باهتمام ممزوج بالإعجاب وانعكس ذلك على تعبير وجهه الساكن بينما استمر مهاب في تعزيز ذلك الشعور لديه بإخباره
أما ده بقى
لم يتركه والده يكمل جملته لنهايته حيث قاطعه ملتفا برأسه نحو ابنه يخاطبه بنوع من المقارنة
شايف أخوك يا ريت تتعمل منه
ازدرد ريقه بصعوبة وقال واضعا بسمة مهزوزة حاول عبرها إخفاء حنقه المغتاظ منه
أكيد يا بابا
استمرت النقاشات حول الإنجازات التي جاء بها مهاب من خارج البلاد لعدة دقائق قبل أن يغير سامي الحوار لموضوع آخر بقوله النزق
كويس إنه موجود عشان نفاتحه في موضوع الجواز
رفع بصره إليه متسائلا في دهشة مستهجنة
جواز!!
حينئذ تكلم فؤاد موضحا
أيوه أخوك شايف عروسة مناسبة ليك فيها كل المواصفات المطلوبة
سكت لهنيهة لينطق بتريث جعل من حوله يصاب بالصدمة وعيناه مرتكزتان على وجه شقيقه
معلش يا سامي أنا مضطر أرفض العرض
بتاعك
استشاط الأخير ڠضبا مما اعتبره تمرده غير المقبول وهاجمه في الحال
إنت عارف دي تبقى بنت مين!!
ثم حدجه بنظرة احتقارية مملوءة بحقده العميق تجاهه قبل أن يتم جملته
هي لولا إنها عاوزاك مكونتش تحلم تتجوزها
رد عليه ببرود تام قاصدا إهانته كذلك
ده لأن طموحك على أده زي مخك
لم يتحمل ازدرائه بهذه الوقاحة فصاح به بنبرة مرتفعة وهو يرفع إصبعه في وجهه مهددا
اتكلم عدل معايا!!
تجاهله عن عمد واستدار مخاطبا أبيه
اسمحلي يا بابا أفهمك وجهة نظري
كان لا يزال فؤاد على هدوئه الحذر فأردف وهو يسترخي في مقعده الوثير
أنا سامعك
عدل مهاب من وضعية جلوسه وأصبح أكثر انتصابا بظهره وهو يستفيض شارحا
أنا معروف عني برا إني دكتور ناجح من عيلة كبيرة ليها سمعة زي البرلنت مش أي حد يقدر يناسبهم فطبيعي أكون محط أنظار بنات كتير وخصوصا لو كانوا بنات الأمراء وأصحاب السلطة
حانت منه نظرة جانبية نحو شقيقه الحانق قبل أن يعود للتحديق في وجه والده متابعا بنبرة مؤكدة
وأظن دول مش أي حد أنا بس بدور على واحدة فيهم تقدر تدي لعيلتنا مش تاخد مننا
فاعذرني يا فؤاد باشا لو كنت مأخر الجواز ده
منحه والده نظرة غامضة ومع ذلك استمر يقول بنفس اللهجة الثابتة والواثقة
أنا راجل عملي وببص لقدام
ظن سامي أن والده سيثور عليه سيؤنبه وربما يهدده بحرمانه من مزايا الانتساب لعائلة الجندي جراء معارضته للأمر لكنه صعق كليا عندما عنفه محولا الدفة ضده ليصبح في موضع تقصير
شايف دماغ أخوك يا ريت تتعلم منه
عندئذ نهض مهاب واقفا ألقى ببسمة متشفية ناحية شقيقة ليعاود التطلع إلى أبيه متسائلا
تؤمر بحاجة تانية يا باشا
أجابه بالنفي المشروط
لأ بس مستنيك على العشا
هز رأسه في طاعة وهو يخبره
طبعا ليا لي الشرف
مرة ثانية سلط نظره على شقيقه ليرمقه بهذه النظرة الشامتة ثم ودعه
سلام يا سامي!
ليك يوم يا مهاب!!!
يتبع الجزء الثاني من الفصل الثامن
الفصل الثامن الجزء الثاني
اللعبة الوضيعة
هدأت خواطرها المزعوجة إلى حد كبير بمرور عدة أيام فكان إنهاك نفسها ما بين الدراسة والتدريب كفيلا بإعطاء عقلها هدنة مؤقتة لعدم التفكير فيما يؤرقها أو حتى في تقريع نفسها
كويس إني لاقيتك
استدارت ناظرة إلى صاحب الصوت المألوف فقالت بتعابير جادة وبنبرة رسمية للغاية
خير يا دكتور ممدوح
تقدم ناحيتها وهو يحمل في يده عددا من الكتب الضخمة
أنا عديت عليكي كذا مرة بس مكونتيش موجودة
بررت له بنفس الطريقة المتحفظة
أيوه كان عندي آ
لم يمهلها الفرصة للشرح حيث قاطعها قائلا وعلى وجهه هذه الابتسامة الصافية
مش مشكلة اتفضلي
نظرت إلى ما يحمله باندهاش متحير ثم سألته
إيه دول
تحرك متجاوزا