مملكة سفيد بقلم رحمة نبيل
العجوز تقترب منها بأقدام متعجلة تفحصها دون كلمة تفحص النبض والتنفس ومن ثم رفعت عيونها للجميع الذين كانوا في انتظار كلمة منها وهي ابتلعت ريقها تقول جملة لم تعلم أنها قد تنطقها يوما أو يستسيغها عقلها لكن تلك العجوز أربكت جميع ما تعلمته وأثبتت أن الإنسان يستطيع الحياة حتى بعد توقف ضربات قلبه وأنفاسه
هتفت أم أحمد بأعين دامعة
يعني ايه مش عارفة ماټت ولا ايه هو أنت مش دكتورة
لا أنا ممرضة مش دكتورة بعدين أنا ايش عرفني مش يمكن تكون بتعمل بروفة ولا بتجرب المۏت هي يعني أول مرة اجي اكشف عليها وملاقيش نبض ما هي كل يوم نبضها بيقف مش عارفة بتشحن ولا بتعمل ايه !
بصوا هي تقريبا ماټت البقاء لله
وبعد تلك الكلمات ارتفعت شهقات صادرة من جسد العجوز المسطح على الفراش تجاهد لالتقاط أنفاسها وكأنها خرجت لتوها من اعماق البحار .
أشارت لها تبارك بانتصار وكأنها تثبت لنفسها أنها محقة
اهو شوفتوا مستنية تسمع إعلان ۏفاتها عشان تفوق دي بتدلع يا أم أحمد كل يوم توقف نبضاتها شوية عشان تعرف معزتها عندكم مش اكتر
عن أذنك يا حاج سالم لو حصل وفقدت الاتصال بالعالم الخارجي تاني سيبوها شوية وهي هتصحى لوحدها حمدلله على سلامتك يا حاجة
ختمت حديثها تخرج من الشقة ملتوية الثغر تشعر بالنقم على تلك الوظيفة التي لا ينالها منها سوى المصائب تحركت صوب شقتها الصغيرة الدافئة المرعبة كي ترتاح قليلا قبل أن تنهض وتذهب للعمل في اليوم التالي ...
ألقت جسدها على الفراش تستقبل اغطيته المريحة بتعب شديد تغلق عيونها في انتظار أن تسحبها أحلامها بعيدا عن هذا العالم .
وكان لها ما تمنت إذ سقطت في نوم عميق تخلله العديد من الأحلام كان أكثرهم وضوحا حلم لها تقف فوق عرش تراقب أمامها مدينة بيضاء كبيرة تحيط بها شلالات وجبال بيضاء.
دلم برات تنگ شده پرنسس
________________________
يعتلي عرشه بكل كبرياء في انتظار أن يأتيه عريف المملكة والذي يعلم كل ما يدور حوله ويفقه بكل شيء ليس لأنه ساحر _ معاذ الله_ بل لأن لقب عريف هو لقب يمنح لكل شخص مثقف مدرك لجميع العلوم حكيم ذو رأي صائب ونظرة مستقبلية صحيحة وتحت يد العريف يتدرب شخص تنبأ له الجميع بمستقبل باهر ليحمل هو لقب العريف من بعده .
كان يسير منحني الظهر جامد الملامح ناقم على كل شيء _ كما هو المعتاد منه _ يزفر بحنق كلما رأى وجه انسان في طريقه لطالما كان العريف في هذه الحقبة من أكثر الشخصيات النقمة المتذمرة من كل شيء والذي لو كان بيده تمني شيئا ويتحقق لتمنى زوال جميع البشر .
يقبع بومة سوداء اللون على كتفه وقد كان ذلك هو الكائن الحي الوحيد الذي قد يتقبله العريف في هذه الحياة بعد كتبه العزيزة بالطبع .
توقف أمام العرش يرمق الملك بحنق مكبوت حاول دفنه خلف جبال احترام وهمية يقول بصوت خاڤت أجش واعينه تلتمع خلف خصلاته الطويلة الرمادية التي تكاد تخفي نصف وجهه
مولاي طلبت رؤيتي
رفع الملك عيونه للعريف يحدق به مطولا قبل أن يقول
هل وصلت لشيء بخصوص ملكتي أيها العريف
تأفف العريف داخليا ثم دار بنظراته في المكان يحاول أن يمنح عقله فرصة إيجاد رد مناسب على ذلك الملك المدلل الذي يجذبه من بين كتبه فقط ليسأله إن وجد له زوجته ليس وكأنه يعمل مأذونا شرعيا .
مولاي اعذرني لكن أنا بحثت كثيرا عن حالة تشبه حالتك في تاريخ الأسرة الحاكمة ولم يواجهني شيء شبيه به لطالما كان مقدرا لملوك هذه الأسرة أن يجدوا انصافهم بسهولة أو أن يسوقهم القدر صوبهم لكن امهلني بعض الوقت لعلي اجد ما يزيل تلك الحيرة عنك
نظر له الملك قليلا بينما العريف يبتسم له بهدوء وداخله يتأفف في انتظار لحظة صرفه من المكان بأكمله والبومة على كتفه تصدر صوتا مزعجا وكأنها تشارك مالكها الرأى في الرحيل من ذلك المكان .
تحدث الملك بنبرة هادئة